ثلاثي نوبل
إذا كانت الحاجة هي أم الاختراع، فإن الصدفة هي الأب الروحي لكل اكتشاف، ومثلما اكتشف الإنسان النار بالصدفة، واكتشف الأمريكتين بالصدفة، فإن "ألكسندر فلمنج" لم يخرج كثيرًا عن هذا المنهج، ليقدم للبشرية أحد أعظم الاكتشافات على مر العصور، وهو البنسلين أو مضاد الميكروبات.
طابع تذكاري للعبقري
في الماضي كان الجنود يُجرحون في الحرب.. ثم يصابون بتسمم الجرح أو بالغرغرينا، ثم يموتون، هكذا ببساطة شديدة، ثم اكتشف الإنسان إن كيّ الجرح بالنار يمنع تلوُّث الجرح، ثم مع توالي السنين جاءت وسائل أخرى تقضي على الميكروبات، وتقضي أيضا على المصاب، فهي إما أنها نفسها تسمم الجرح، أو أنها تقضي على كرات الدم البيضاء التي تهاجم الميكروبات، وقد يصل الأمر لبتر أحد الأطراف ليس بسبب الجرح بل بسبب تسمم الدم! وفي كل الحالات تكون الخسائر فادحة.
ألكسندر فلمنج
بدأت حكاية "ألكسندر فلمنج" Alexander Fleming مع اكتشافه الكبير، عندما دخل إلى معمله في أحد أيام سبتمبر عام 1928، ليجد أن أطباق بكتيريا الأنفلونزا التي يحتفظ بها من أجل تجاربه قد تعفّنت، وبدلاً من أن يلقي بها إلى أقرب سلة مهملات، احتفظ بها لعدة أيام في معمله، قبل أن يفحصها تحت المجهر، وعندها وجد أن دائرة العفن الخضراء خالية تماماً من البكتيريا، وهكذا لعبت الصدفة وَصِفَةُ البخل أعظم دور في مبيدات البكتيريا، وقدمت إلى العالم البنسلين.
طفولة مجهولة
المعلومات قليلة للغاية عن طفولة وميلاد العبقري، فهو لم يقدم وصفا دقيقا لطفولته، فقد كان يكره الأضواء والشهرة والحديث عن نفسه، فعندما ُسئل عن قريته اكتفى بعبارة واحدة تلخص كل شيء: "هناك في نهاية الطريق"، ولكننا وبعد كل هذه السنين نعرف أن قرية "هناك في نهاية الطريق" هي مزرعة "لوتشفيلد" في جنوب غرب أسكتلندا، وقد وُلد العبقري في 6 أغسطس عام 1881، وقد صادفته بعض المشاكل المالية في بداية حياته، قبل أن يصيب شيئا من ميراثٍ ما.. مكنه من الدراسة في مدرسة "القديسة ماري" وقد اختار الطب ليكون مجال إبداعه.
أقراص البنسلين صارت متوفرة في كل مكان
وقد كان "فلمنج" طالباً بارعاً بكل المقاييس، فسجلات المدرسة الطبية تبين أنه كان الأول دائماً في كل مراحل الدارسة، وفي مختلف المواد الدراسية، وقد نال تقريبا كل جوائز التفوق المتاحة، وفي عام 1906 أصبح طبيبا متخصصا في العلوم البكتريولوجية، وحصل على عضوية الجمعية الملكية للجراحين، وفاز بالأستاذية في الجامعة، ووجد وظيفة شاغرة في مدرسته فانضم إليها، وكل هذا في عام واحد! ثم انضم إلى أستاذ علم الجراثيم وعلوم الدم "ألمورث رايت"، وفي الحرب العالمية الأولى شاهد العبقري الآثار المدمرة للعقاقير المستخدمة لتطهير الجروح، فعكف بعدها على أبحاثه؛ للحصول على مضادٍ للبكتيريا يكون غير مؤذٍ للجسم.
اكتشاف القرن العشرين..
ككل عبقري ارتبط اسمه باكتشاف واحد فقط، سنجد أننا ننساق للتحدث أكثر عن هذا الاكتشاف الجوهري في تاريخ البشرية، فالبنسلين Penicillin الذي اكتشفه " فلمنج" يشتق من فطر العفن، وكان الاختبار الأول هو كيفية استخلاص البنسلين الخام من وسط العفن، ولكن هذه المشكلة لم تستمر طويلا، فعندما نشر "فلمنج" أبحاثه عام 1929 وجد اهتماما كبيراً من قبل عالمَيْن بريطانيين هما "هوارد والتر فلوري"، و"أرنست تشين"، فأعادا التجارب مرة أخرى، وأخذا يحاولان الحصول على البنسلين الخام، وبعد العديد من الاختبارات وعشر سنوات من التجارب، لاحظ العالم "فلوري" أن بعض القطرات ذات اللون الذهبي قد نمت على العفن، وعندما جفف هذه القطرات وجعل منها مسحوقاً ذا لون أصفر داكن، كان قد حصل على المادة التي يبحث عنها وهي البنسلين الطبيعي.
البنسلين أنقذ حياة الآلاف في الحروب
ثم بدأت مجموعة من التجارب المثمرة على الفئران، ليجدوا للمادة الجديدة تأثيراً مدهشاً لإبطاء نمو البكتيريا والقضاء عليها، ثم وجدوا أيضا أنه لا خطورة أبدا من استخدامها بكميات كبيرة ووضعه على الجرح ظاهريا أو حقن المريض به مباشرة، وقد جلب هذا الاكتشاف العديد من المضادات الحيوية والعقاقير الأخرى، ولكن يظل البنسلين هو الأهم على الإطلاق، ويستخدم أيضا في علاج العديد من الأمراض مثل الزهري والسيلان والدفتريا وتسمم الدم وأمراض العظام والسل وغيرها.
فلمنج يعمل على أبحاثه
وقد استخدم البنسلين في الحرب العالمية الثانية على نطاق واسع، فأنقذ حياة الآلاف، ولكنه كان لا يزال نادر الوجود باهظ التكاليف، ولكنه انتشر وأصبح في متناول الجميع ابتداء من عام 1945.
التكريم المناسب...
في عام 1944 أنعم ملك بريطانيا على "ألكسندر فلمنج" و" والتر فلوري" بلقب سير أو فارس، الأول لاكتشافه البنسلين، والثاني لجعله عقارا ذا مفعول مدهش، ثم توالت الجوائز، فحصلا معاً على مكافأة الامتياز من الجمعية الأمريكية لصانعي العقاقير، ثم حصل "فلمنج" على تقدير البابا نفسه وثنائه؛ لتقديمه خدمة جليلة للبشرية، وفي عام 1945 حصل الثلاثي الرائع "فلمنج" و"فلوري" وتشين" على جائزة نوبل في الفسيولوجيا والطب.
لمحة شخصية..
كان "فلمنج" يحب الرياضة ويجيد السباحة ولعبة كرة القدم ويعشق الفنون، وله العديد من الرسوم التي استخدم فيها البكتيريا ذات الألوان المختلفة بديلاً عن الدهانات العادية، وفي عام 1949 توفيت زوجة العبقري بمرض خطير بعد ارتباط جميل دام أربعة وثلاثين عاماً، وقد أثر ذلك على العبقري، فجعله يوصد باب معمله عليه لسنوات، ثم عاد للحياة مرة أخرى في عام 1953، وتزوّج من طبيبة يونانية كانت تعمل معه، وفي ربيع عام 1955 أصابت العبقري نوبة قلبية وتوفي دون ألم، وعلى الرغم من أن صناعة البنسلين صارت صناعة مزدهرة ضخمة، إلا إن فلمنج لم يجْنِ أي شيء، فهو لم يسجل حقوق البنسلين قط..
الثلاثي يتسلم جائزة نوبل
وفي النهاية نختم بمقولة العبقري التي يعطي فيها المصادفة حقها:
"لو كان مختبري مثل المختبرات الحديثة التي زرتها، لربما ما كنت اهتديت قط إلى البنسلين".
إذا كانت الحاجة هي أم الاختراع، فإن الصدفة هي الأب الروحي لكل اكتشاف، ومثلما اكتشف الإنسان النار بالصدفة، واكتشف الأمريكتين بالصدفة، فإن "ألكسندر فلمنج" لم يخرج كثيرًا عن هذا المنهج، ليقدم للبشرية أحد أعظم الاكتشافات على مر العصور، وهو البنسلين أو مضاد الميكروبات.
طابع تذكاري للعبقري
في الماضي كان الجنود يُجرحون في الحرب.. ثم يصابون بتسمم الجرح أو بالغرغرينا، ثم يموتون، هكذا ببساطة شديدة، ثم اكتشف الإنسان إن كيّ الجرح بالنار يمنع تلوُّث الجرح، ثم مع توالي السنين جاءت وسائل أخرى تقضي على الميكروبات، وتقضي أيضا على المصاب، فهي إما أنها نفسها تسمم الجرح، أو أنها تقضي على كرات الدم البيضاء التي تهاجم الميكروبات، وقد يصل الأمر لبتر أحد الأطراف ليس بسبب الجرح بل بسبب تسمم الدم! وفي كل الحالات تكون الخسائر فادحة.
ألكسندر فلمنج
بدأت حكاية "ألكسندر فلمنج" Alexander Fleming مع اكتشافه الكبير، عندما دخل إلى معمله في أحد أيام سبتمبر عام 1928، ليجد أن أطباق بكتيريا الأنفلونزا التي يحتفظ بها من أجل تجاربه قد تعفّنت، وبدلاً من أن يلقي بها إلى أقرب سلة مهملات، احتفظ بها لعدة أيام في معمله، قبل أن يفحصها تحت المجهر، وعندها وجد أن دائرة العفن الخضراء خالية تماماً من البكتيريا، وهكذا لعبت الصدفة وَصِفَةُ البخل أعظم دور في مبيدات البكتيريا، وقدمت إلى العالم البنسلين.
طفولة مجهولة
المعلومات قليلة للغاية عن طفولة وميلاد العبقري، فهو لم يقدم وصفا دقيقا لطفولته، فقد كان يكره الأضواء والشهرة والحديث عن نفسه، فعندما ُسئل عن قريته اكتفى بعبارة واحدة تلخص كل شيء: "هناك في نهاية الطريق"، ولكننا وبعد كل هذه السنين نعرف أن قرية "هناك في نهاية الطريق" هي مزرعة "لوتشفيلد" في جنوب غرب أسكتلندا، وقد وُلد العبقري في 6 أغسطس عام 1881، وقد صادفته بعض المشاكل المالية في بداية حياته، قبل أن يصيب شيئا من ميراثٍ ما.. مكنه من الدراسة في مدرسة "القديسة ماري" وقد اختار الطب ليكون مجال إبداعه.
أقراص البنسلين صارت متوفرة في كل مكان
وقد كان "فلمنج" طالباً بارعاً بكل المقاييس، فسجلات المدرسة الطبية تبين أنه كان الأول دائماً في كل مراحل الدارسة، وفي مختلف المواد الدراسية، وقد نال تقريبا كل جوائز التفوق المتاحة، وفي عام 1906 أصبح طبيبا متخصصا في العلوم البكتريولوجية، وحصل على عضوية الجمعية الملكية للجراحين، وفاز بالأستاذية في الجامعة، ووجد وظيفة شاغرة في مدرسته فانضم إليها، وكل هذا في عام واحد! ثم انضم إلى أستاذ علم الجراثيم وعلوم الدم "ألمورث رايت"، وفي الحرب العالمية الأولى شاهد العبقري الآثار المدمرة للعقاقير المستخدمة لتطهير الجروح، فعكف بعدها على أبحاثه؛ للحصول على مضادٍ للبكتيريا يكون غير مؤذٍ للجسم.
اكتشاف القرن العشرين..
ككل عبقري ارتبط اسمه باكتشاف واحد فقط، سنجد أننا ننساق للتحدث أكثر عن هذا الاكتشاف الجوهري في تاريخ البشرية، فالبنسلين Penicillin الذي اكتشفه " فلمنج" يشتق من فطر العفن، وكان الاختبار الأول هو كيفية استخلاص البنسلين الخام من وسط العفن، ولكن هذه المشكلة لم تستمر طويلا، فعندما نشر "فلمنج" أبحاثه عام 1929 وجد اهتماما كبيراً من قبل عالمَيْن بريطانيين هما "هوارد والتر فلوري"، و"أرنست تشين"، فأعادا التجارب مرة أخرى، وأخذا يحاولان الحصول على البنسلين الخام، وبعد العديد من الاختبارات وعشر سنوات من التجارب، لاحظ العالم "فلوري" أن بعض القطرات ذات اللون الذهبي قد نمت على العفن، وعندما جفف هذه القطرات وجعل منها مسحوقاً ذا لون أصفر داكن، كان قد حصل على المادة التي يبحث عنها وهي البنسلين الطبيعي.
البنسلين أنقذ حياة الآلاف في الحروب
ثم بدأت مجموعة من التجارب المثمرة على الفئران، ليجدوا للمادة الجديدة تأثيراً مدهشاً لإبطاء نمو البكتيريا والقضاء عليها، ثم وجدوا أيضا أنه لا خطورة أبدا من استخدامها بكميات كبيرة ووضعه على الجرح ظاهريا أو حقن المريض به مباشرة، وقد جلب هذا الاكتشاف العديد من المضادات الحيوية والعقاقير الأخرى، ولكن يظل البنسلين هو الأهم على الإطلاق، ويستخدم أيضا في علاج العديد من الأمراض مثل الزهري والسيلان والدفتريا وتسمم الدم وأمراض العظام والسل وغيرها.
فلمنج يعمل على أبحاثه
وقد استخدم البنسلين في الحرب العالمية الثانية على نطاق واسع، فأنقذ حياة الآلاف، ولكنه كان لا يزال نادر الوجود باهظ التكاليف، ولكنه انتشر وأصبح في متناول الجميع ابتداء من عام 1945.
التكريم المناسب...
في عام 1944 أنعم ملك بريطانيا على "ألكسندر فلمنج" و" والتر فلوري" بلقب سير أو فارس، الأول لاكتشافه البنسلين، والثاني لجعله عقارا ذا مفعول مدهش، ثم توالت الجوائز، فحصلا معاً على مكافأة الامتياز من الجمعية الأمريكية لصانعي العقاقير، ثم حصل "فلمنج" على تقدير البابا نفسه وثنائه؛ لتقديمه خدمة جليلة للبشرية، وفي عام 1945 حصل الثلاثي الرائع "فلمنج" و"فلوري" وتشين" على جائزة نوبل في الفسيولوجيا والطب.
لمحة شخصية..
كان "فلمنج" يحب الرياضة ويجيد السباحة ولعبة كرة القدم ويعشق الفنون، وله العديد من الرسوم التي استخدم فيها البكتيريا ذات الألوان المختلفة بديلاً عن الدهانات العادية، وفي عام 1949 توفيت زوجة العبقري بمرض خطير بعد ارتباط جميل دام أربعة وثلاثين عاماً، وقد أثر ذلك على العبقري، فجعله يوصد باب معمله عليه لسنوات، ثم عاد للحياة مرة أخرى في عام 1953، وتزوّج من طبيبة يونانية كانت تعمل معه، وفي ربيع عام 1955 أصابت العبقري نوبة قلبية وتوفي دون ألم، وعلى الرغم من أن صناعة البنسلين صارت صناعة مزدهرة ضخمة، إلا إن فلمنج لم يجْنِ أي شيء، فهو لم يسجل حقوق البنسلين قط..
الثلاثي يتسلم جائزة نوبل
وفي النهاية نختم بمقولة العبقري التي يعطي فيها المصادفة حقها:
"لو كان مختبري مثل المختبرات الحديثة التي زرتها، لربما ما كنت اهتديت قط إلى البنسلين".
