منتدى طموح الشباب
زائرنا العزيز أهلا وسهلا بك في منتدى طموح الشباب أتمنى لك قضاء أمتع الأوقات .


منتدى طموح الشباب
زائرنا العزيز أهلا وسهلا بك في منتدى طموح الشباب أتمنى لك قضاء أمتع الأوقات .

منتدى طموح الشباب
Would you like to react to this message? Create an account in a few clicks or log in to continue.

منتدى طموح الشبابLog in


descriptionتفسير سورة الاعراف Emptyتفسير سورة الاعراف

more_horiz
سورة الأعراف



وجوب اتباع القرآن الكريم

عاقبة مخالفة الرسل وتكذيبهم

وزن أفعال العباد يوم القيامة

التذكير بنعم الله سبحانه وتعالى

التنبيه على تكريم آدم وبيان عداوة إبليس لذريته

هبوط آدم من الجنة والأسباب الكامنة وراء ذلك

وجوب ستر العورة والتحذير من وساوس الشيطان

الدعوة إلى ترك ضلالات الآباء والتمسك بهداية الله تعالى

إباحة الطيبات والإنكار على الذين يحرِّمون ما أحل الله

أنواع المحرَّمات وأصولها

توفية الأمم والأفراد آجالهم

أحوال بني آدم بعد الموت

خلود الكافرين في النار

حال المؤمنين الطائعين يوم القيامة

مناظرة بين أهل الجنة وأهل النار

الإخبار عن تقريع أهل الأعراف لرجال من قادة المشركين

عاقبة الجاحدين بآيات الله تعالى

حجية القرآن على البشر وحال المكذبين يوم القيامة

دلائل القدرة والوحدانية

الحث على الدعاءِ والبعدِ عن الإفساد

أمثال ومقارنات تدل على قدرة الله الباهرة

دعوة نوح لقومه وعاقبة تكذيبهم إيَّاه

معاناة هود في دعوة قومه ونتيجة التمرد والعتو والطغيان

قصة صالح عليه السلام مع قومه

فاحشة مبتكرة عند قوم لوط

شعيب عليه السلام يدعو قومه إلى توحيد الله وترك كل أنواع الإيذاء

سنة الله في التضييق على الأمم قبل إهلاكها

الترغيب بالإيمان والترهيب من الكفر

العبرة من قصص الماضين

قصة موسى عليه السلام مع فرعون

إبطال سحر السحرة، وإيمانهم برب العالمين

تهديد فرعون السحرة، وعدم مبالاتهم به

تحريض لفرعون من قومه على موسى، ونصيحته لقومه

أنواع العذاب لآل فرعون

الرجوع إلى موسى عليه السلام عند وقوع العذاب، وإغراق فرعون وقومه

وراثة الأرض لبني إسرائيل

جحود بني إسرائيل النعم الكثيرة

مناجاة موسى ربه، وطلبه رؤية الله تعالى، وتنزيل التوراة عليه

عقوبة المتكبرين بصرفهم عن فهم أدلة العظمة الإلهية

اتخاذ السامري العجل

غضب موسى على أخيه هارون وتعنيفه له

عقاب الظالمين المتخذين العجل إلهاً، وقبول توبة التائبين

سكون غضب موسى وأخذه الألواح

اختيار موسى سبعين رجلاً لملاقاة الله

دعاء موسى عند الرجفة، وربط الإيمان برسالته والإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

عموم رسالة الإسلام للناس كافة

أتباع الحق من قوم موسى، ونعم الله تعالى على بني إسرائيل في صحراء التيه

أمر بني إسرائيل بسكنى بيت المقدس

احتيال اليهود لاصطياد الأسماك يوم السبت

رفع الجبل فوق اليهود وذلهم إلى يوم القيامة، وتشتيتهم في الأرض باستثناء الصالحين

أخذ الميثاق العام على بني آدم

قصة بلعم بن باعوراء

الهداية والضلالة وأسبابهما

أسماء الله الحسنى

المهتدون والمكذبون بدعوة الإسلام، وعقاب المكذبين

هل التّفكُر أفضل أو الصّلاة؟

علم الساعة غيبي لا يعلمه إلا الله

الأمر كله لله وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب

التذكير بالنشأة الأولى، والأمر بالتوحيد واتباع القرآن والنهي عن الشرك

عجز المعبودات من دون الله عن فعل شيء

أمره صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، ومقاومة الشيطان

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الإلهي، وخصائص القرآن

تعظيم القرآن باستماعه، وطرق ذكر الله



بَين يَدَيْ السُّورَة



سورة الأعراف من أطول السور المكية، وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء، ومهمتها كمهمة السور المكية تقرير أصول الدعوة الإِسلامية من توحيد الله جل وعلا، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة.



* تعرضت السورة الكريمة في بدء آياتها للقرآن العظيم معجزة محمد الخالدة، وقررت أن هذا القرآن نعمة من الرحمن على الإِنسانية جمعاء، فعليهم أن يستمسكوا بتوجيهاته وإِرشاداته ليفوزوا بسعادة الدارين.



* ولفتت الأنظار إِلى نعمة خلقهم من أبٍ واحد، وإِلى تكريم الله لهذا النوع الإِنساني ممثلاً في أب البشر آدم عليه السلام الذي أمر الله الملائكة بالسجود له، ثم حذّرت من كيد الشيطان ذلك العدو المتربص الذي قعد على طريق الناس ليصدهم عن الهدى ويبعدهم عن خالقهم.



* وقد ذكر تعالى قصة آدم مع إِبليس وخروجه من الجنة، وهبوطه إِلى الأرض كنموذج للصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، وبيانٍ لكيد إِبليس لآدم وذريته، ولهذا وجه الله إِلى أبناء آدم - بعد أن بيَّن لهم عداوة إِبليس لأبيهم - أربعة نداءات متتالية بوصف البُنوَّة لآدم {يَابَنِي آدَمَ } وهو نداء خاص بهذه السورة يحذّرهم بها من عدوهم الذي نشأ على عداوتهم من قديم الزمن حين وسوس لأبيهم آدم حتى أوقعه في الزّلة والمخالفة لأمر الله {يَابَنِي ءادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَاَ..}.



* كما تعرضت السورة الكريمة لمشهدٍ من المشاهد الواقعة يوم القيامة، مشهد الفرق الثلاثة وما يدور بينهم من محاورة ومناظرة: فرقة المؤمنين أصحاب الجنة، وفرقة الكافرين أصحاب النار، وفرقةٍ ثالثة لم يتحدث عنها القرآن إِلا في هذه السورة، وهي الفرقة التي سميت بأصحاب الأعراف وسميت باسمها السورة "سورة الاعراف" مشهدٌ سوف يشهده العالم يوم البعث والجزاء على الحقيقة دون تمثيل ولا تخيّل، تبيّن ما يكون فيه من شماتة أهل الحق "أصحاب الجنة" بالمبطلين أصحاب النار، وينطلق صوت علوي يسجّل عليهم اللعنة والطرد والحرمان، وقد ضرب بين الفريقين بحجاب ووقف عليه رجال يعرفون كلاً بسيماهم، يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ونضرتها، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وقترتها.



* وتناولت السورة قصص الأنبياء بإِسهاب "نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى" وقد ابتدأت بشيخ الأنبياء "نوح" عليه السلام وما لاقاه من قومه من جحودٍ وعناد، وتكذيب وإِعراض، وقد ذكرت بالتفصيل قصة الكليم موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية، وتحدثت عما نال بني إِسرائيل من بلاء وشدة ثم من أمنٍ ورخاء وكيف لمّا بدلوا نعمة الله وخالفوا أمره عاقبهم الله تعالى بالمسخ إِلى قردة وخنازير.



* وتناولت السورة كذلك المثل المخزي لعلماء السوء، وصوَّرتهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} وتلك لعمر الحق أقبح صورة مزرية لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني وكان خزياً وبالاً عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإِيمان وانسلخ من النعمة، وأَتبعه الشيطان فكان من الغاوين.



* وقد ختمت السورة الكريمة بإِثبات التوحيد، والتهكم بمن عبدوا ما لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، من أحجار وأصنام اتخذوهما شركاء مع الله، وهو جل وعلا وحده الذي خلقهم وصوّرهم ويعلم متقلبهم ومثواهم، وهكذا ختمت السورة الكريمة بالتوحيد كما بدأت بالتوحيد، فكانت الدعوة إِلى الإِيمان بوحدانية الرب المعبود في البدء والختام.






\

descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
وجوب اتباع القرآن الكريم



{المص(1)كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2)اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(3)}



{المص} تقدم في أول سورة البقرة الكلام عن الحروف المقطّعة وأن الحكمة في ذكرها بيان _"إِعجاز القرآن" بالإِشارة إِلى أنه مركب من أمثال هذه الحروف ومع ذلك فقد عجز بلغاؤهم وفصحاؤهم وعباقرتهم عن الإِتيان بمثله وروي عن ابن عباس معناه: أن الله أعلم وأَفْصِل، وقال أبو العالية: الألف مفاتح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد والصاد مفتاح اسمه صداق والله أعلم {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} أي هذا كتاب أنزله الله إِليك يا محمد وهو القرآن { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي لا يضقْ صدرك من تبليغه خوفاً من تكذيب قومك {لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي لتنذر بالقرآن من يخاف الرحمن، ولتذكّر وتعظ المؤمنين لأنهم المنتفعون به {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أي اتبعوا أيها الناس القرآن الذي فيه الهدى والنور والبيان المنزّل إِليكم من ربكم {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي ولا تتخذوا أولياء من دون الله كالأوثان والرهبان والكُهّان تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعون لكم {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} أي تتذكّرون تذكراً قليلاً. قال الخازن: أي ما تتعظون إِلا قليلاً.



عاقبة مخالفة الرسل وتكذيبهم



{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ(4)فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5)}



{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أي وكثير من القرى أهلكناها والمراد بالقرية أهلُها {فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} أي جاءها عذابنا ليلاً {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} أي جاءهم العذاب في وقت القيلولة وهي النوم في وسط النهار. قال أبو حيان: وخصّ مجيء البأس بهذين الوقتين لأنهما وقتان للسكون والدعة والاستراحة فمجيء العذاب فيهما أشق وأفظع لأنه يكون على غفلةٍ من المهلكين {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا} أي ما كان دعاؤهم واستغاثتهم حين شاهدوا العذاب ورأوا أماراته {إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي إِلا اعترافهم بظلمهم تحسراً وندامة، وهيهات أن ينفع الندم.



وزن أفعال العباد يوم القيامة



{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ(6)فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(Coolوَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ(9)}



{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} أي لنسألن الأمم قاطبة هل بلّغكم الرسل وماذا أجبتم؟ والمقصودُ من هذا السؤال التقريع والتوبيخ للكفار {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} أي ولنسألنَّ الرسل أيضاً هل بلّغوا الرسالة وأدوا الأمانة ؟ قال في البحر: وسؤال الأمم تقريرٌ وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة نكالاً وعذاباً، وسؤال الرسل تأنيسٌ يعقب الأنبياء كرامة وثواباً {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} أي فلنخبرهم بما فعلوا عن علمٍ منا. قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} أي ما كنا غائبين عنهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم. قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} أي والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل ولا يظلم ربك أحداً {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} أي فمن رجحت موازين أعماله بالإِيمان وكثرة الحسنات {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} أي الناجون غداً من العذاب الفائزون بجزيل الثواب {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} أي ومن خفت موازين أعماله بسبب الكفر واجتراح السيئات {فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} أي خسروا أنفسهم وسعادتهم {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} أي بسبب كفرهم وجحودهم بآيات الله، قال ابن كثير: والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإِن كانت أعراضاً إِلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساماً يروى هذا عن ابن عباس، وقيل: يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة، وقيل: يوزن صاحب العمل كما في الحديث (يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة) والكل صحيح فتارةً توزن الأعمال، وتارةً محالها، وتارة يوزن فاعلها والله أعلم. أقول: لا غرابة في وزن الأعمال ووزن الحسنات والسيئات بالذات، فإِذا كان العلم الحديث قد كشف لنا عن موازين للحر والبرد، واتجاه الرياح والأمطار، أفيعجز القادر على كل شيء عن وضع موازين لأعمال البشر؟



التذكير بنعم الله سبحانه وتعالى



{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ(10)}



{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ} أي جعلنا لكم أيها الناس في الأرض مكاناً وقراراً، قال البيضاوي: أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} أي ما تعيشون به وتحيون من المطاعم والمشارب وسائر ما تكون به الحياة {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} أي ومع هذا الفضل الإِنعام قليل منكم من يشكر ربه كقوله {وقليلٌ من عبادي الشكور}.



التنبيه على تكريم آدم وبيان عداوة إبليس لذريته



{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ(11)قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12)قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ(13)قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ(15)قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ(18)}



{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} أي خلقنا أباكم آدم طيناً مصوَّر ثم صورناه أبدع تصوير وأحسن تقويم، وإِنما ذكر بلفظ الجمع تعظيماً له لأنه أبو البشر {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} أي ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريماً له ولذريته {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} أي سجد الملائكة كلهم أجمعون إِلا إِبليس امتنع من السجود تكبراً وعناداً، والاستثناء منقطع لأنه استثناء من غير الجنس وقد تقدم قول الحسن البصري: لم يكن إِبليسُ من الملائكة طرفة عين {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي قال تعالى لإِبليس أيُّ شيء منعك أن تدع السجود لآدم؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} أي قال إِبليس اللعين أنا أفضل من آدم وأشرف منه فكيف يسجد الفاضل للمفضول؟ ثم ذكر العلة في الامتناع فقال {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أي أنا أشرف منه لشرف عنصري على عنصره، لأنني مخلوق من نار والنار أشرف من الطين، ولم ينظر المسكين لأمر من أمره بالسجود وهو الله تعالى. قال ابن كثير: نظر اللعين إِلى أصل العنصر ولم ينظر إِلى التشريف والتعظيم وهو أن الله خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً فأخطأ قبّحه الله في قياسه في دعواه أن النار أشرف في الطين، فإِن الطين من شأنه الرزانة والحلم، والنار من شأنها الإِحراق والطيش، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإِصلاح والنار محل العذاب ولهذا خان إِبليس عنصره فأورثه الهلاك والشقاء والدمار. قال ابن سيرين: أول من قاس إِبليس فأخطأ فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إِبليس {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي اهبط من الجنة فما يصح ولا يستقيم ولا ينبغي أن تستكبر عن طاعتي وأمري وتسكن دار قدسي {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ} أي الذليلين الحقيرين. قال الزمخشري: وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبسه الله الذل والصغار فمن تواضع لله رفعه ومن تكبّر على الله وضعه {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} استدرك اللعين فطلب من الله الإِمهال إِلى يوم البعث لينجو من الموت لأن يوم البعث لا موت بعده فأجابه تعالى بقوله {قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ} قال ابن عباس: أنظره إِلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم وكان طلب الإِنظار إِلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين فأبى الله ذلك عليه ويؤيده الآية الأخرى { قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي فبسبب إِغوائك وإِضلالك لي لأقعدنَّ لآدم وذريته على طريق الحق وسبيل النجاة الموصل للجنة كما يقعد القُطّاع للسابلة {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أي آتي عبادك من كل جهة من الجهات الأربع لأصدّهم عن دينك، قال الطبري: معناه لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسّن لهم الباطل. قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} أي مؤمنين مطيعين شاكرين لنعمك {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} أي اخرج من الجنة مذموماً معيباً مطروداً من رحمتي {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} اللام موطئة للقسم أي لمن أطاعك من الإِنس والجن لأملأنَّ جهنم من الأتباع الغاوين أجمعين، وهو وعيد بالعذاب لكل من انقاد للشيطان وترك أمر الرحمن.




descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
هبوط آدم من الجنة والأسباب الكامنة وراء ذلك



{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ(19)فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ(20)وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ(21)فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ(22)قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(23)قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(24)قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25)}



{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أي وقلنا يا آدم اسكن مع زوجك حواء الجنة بعد أن أُهبط منها إِبليس وأخرج وطرد {فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} أي كلا من ثمارها من أي مكان شئتما {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ} أباح لهما الأكل من جميع ثمارها إِلا شجرة واحدة عيّنها لهما ونهاهما عن الأكل منها ابتلاءً وامتحاناً فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في الوسوسة والمكر والخديعة {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} أي ألقى لهما بصوتٍ خفي لإِغرائهما بالأكل من الشجرة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} أي ليظهر لهما ما كان مستوراً من العورات التي يقبح كشفها {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} وهذا توضيح لوسوسة اللعين أي قال في وسوسته لهما: ما نهاكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة إِلا كراهية أن تكونا مَلكَين أو تصبحا من المخلّدين في الجنة {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لمِنْ النَّاصِحِينَ} أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يُخْدع المؤمن بالله، قال الألوسي: وإِنما عبّر بصيغة المفاعلة للمبالغة أن من يباري أحداً في فعلٍ يجدُّ فيه {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ} أي خدعهما بما غرهما به من القسم بالله. قال ابن عباس: غرهما باليمين وكان آدم يظن أنه لا يحلف أحدٌ بالله كاذباً فغرهما بوسوسته وقسمه لهما { فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي فلما أكلا من الشجرة ظهرت عوراتهما، قال الكلبي: تهافت عنهما لباسهما فأبصر كلٌ منهما عورة صاحبه فاستحيا {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} أي أخذا وشرعا يلصقان ورقة على ورقة ليستترا به بعد أن كانت كسوتهما من حلل الجنة. قال القرطبي: أي جعلا يقطعان الورق ويلزقانه ليستترا به ومنه خصف النعل وعن وهب ابن منبه قال: كان لباس آدم وحواء نوراً على فروجهما لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوأتهما {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} أي ناداهما الله بطريق العتاب والتوبيخ قائلاً: أَلم أحذركما من الأكل من هذه الشجرة وأخبركما بعداوة الشيطان اللعين؟ روى أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحةٌ عن هذه الشجرة؟ فقال: بل وعزتك ولكنْ ما ظننتُ أن أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً قال: فوعزتي لأهبطنَّك إِلى الأرض ثم لا تنال العيش إِلا كدّاً {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} اعترفا بالخطيئة وتابا من الذنب وطلبا من الله المغفرة والرحمة، قال الطبري: وهذه الآية هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الخطاب لآدم وحواء وإِبليس ولهذا جاء بصيغة الجمع أي اهبطوا من سماء القدس إِلى الأرض حال كون بعضكم عدواً لبعض، فالشيطان عدوٌ للإِنسان، والإِنسان عدوٌ للشيطان كقوله {إِن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً} {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أي لكم في الأرض موضع استقرار وتمتع وانتفاع إِلى حين انقضاء آجالكم {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} أي في الأرض تعيشون وفيها تُقبرون ومنها تُخرجون للجزاء كقوله {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55].



وجوب ستر العورة والتحذير من وساوس الشيطان



{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(26)يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ(27)}



ثم ذكر تعالى ما امتنَّ به على ذرية آدم من اللباس والرياش والمتاع فقال {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} أي أنزلنا عليكم لباسين: لباساً يستر عوراتكم، ولباساً يزينكم وتتجملون به، قال الزمخشري: الريش لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} أي ولباس الورع والخشية من الله تعالى خير ما يتزين به المرء فإِن طهارة الباطن أهم من جمال الظاهر قال الشاعر:

وخـيرُ لـباس الـمرء طـاعةُ ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً

{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} أي إِنزال اللباس من الآيات العظيمة الدالة على فضل الله ورحمته على عباده {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي لعلهم يذكرون هذه النعم فيشكرون الله عليها {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ} أي لا يغوينكم الشيطان بإَضلاله وفتنته {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ} أي كما أغوى أبويكم فأكلا من الشجرة حتى أخرجهما من الجنة {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} أي ينزع عنهما اللباس لتظهر العورات، ونسب النزع إِليه لأنه المتسبب، وهذا هدف اللعين أن يهتك الستر عن الإِنسان ويعريه من جميع الفضائل الحسّية والمعنوية {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} أي إن الشيطان يبصركم هو وجنوده من الجهة التي لا تبصرونه منها، فهو لكم بالمرصاد فاحذروا كيده ومكره لأن العدو إِذا أتى من حيث لا يُرى كان أشدَّ وأخوف {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي جعلنا الشياطين أعواناً وقرناء للكافرين.






رد مع اقتباس

descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
الدعوة إلى ترك ضلالات الآباء والتمسك بهداية الله تعالى



{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(28)قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ(29)فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(30)}



{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} أي وإِذا فعل المشركون فاحشة وهي الفعلة المتناهية في القبح كالطواف حول البيت عراة {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} أي اعتذروا عن ذلك الفعل القبيح بتقليد الآباء {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} أي أمرنا بالتجرد من الثياب إِذ كيف نطوف في ثيابٍ عصينا فيها الله! وهذا افتراء على ذي الجلال. قال البيضاوي: احتجوا بأمرين: تقليد الآباء، والافتراء على الله سبحانه، فأعرض عن الأول لظهور فساده، وردَّ الثاني بقوله {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي قل لهم يا محمد: الله منَزّه عن النقص لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئ الخصال {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أتكذبون على الله وتنسبون إِليه القبيح دون علمٍ ونظرٍ صحيح؟ {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} أي بالعدل والاستقامة {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي توجهوا بكليتكم إِليه عند كل سجود {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي واعبدوه مخلصين له العبادة والطاعة. قال ابن كثير: أي أمركم بالاستقامة في عبادته وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات وبالإِخلاص لله في العبادة فإِن الله تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} أي كما بدأكم من الأرض تعودون إِليها {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ} أي هدى فريقاً منكم وأضلَّ فريقاً منكم وهو الفعال لما يريد لا يُسأل عما يفعل {إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} هذا تعليل للفريق الذين حقت عليهم الضلالة أي اتخذوا الشياطين نصراء من دون الله {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} أي يظنون أنهم على بصيرة وهداية.



إباحة الطيبات والإنكار على الذين يحرِّمون ما أحل الله

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31)قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32)}



{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي البسوا أفخر ثيابكم وأطهرها عند كل صلاة أو طواف {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} أي لا تسرفوا في الزينة والأكل والشرب بما يضر بالنفس والمال {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} أي المتعدين حدود الله فيما أحلَّ وحرّم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} أي قل يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراةً ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من الطيبات، من حرّم عليكم التجمل بالثياب التي خلقها الله لنفعكم من النبات، والمستلذات من المآكل والمشارب! والاستفهام للإِنكار والتوبيخ {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي هذه الزينة والطيبات في الدنيا مخلوقة للمؤمنين وإن شاركهم فيها الكفار، وستكون خالصة لهم يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد لأن الله حرم الجنة على الكافرين {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي نبيّن ونوضح الآيات التشريعية لقوم يتدبرون حكمة الله ويفقهون تشريعه.



أنواع المحرَّمات وأصولها



{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(33)}



{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} أي قل لهم يا محمد ما حرّم الله إلا القبائح من الأشياء التي تفاحش قبحها وتناهى ضررها، سواء ما كان منها في السر أو في العلن {وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي وحرّم المعاصي كلها والعدوان على الناس {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي تجعلوا له شركاء في عبادته بدون حجة أو برهان {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون} أي تفتروا على الله الكذب في التحليل والتحريم.



توفية الأمم والأفراد آجالهم

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(34)}



{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} أي لكل أمة كذبت رسلها مدة مضروبة لهلاكها، قال في البحر: هذا وعيد للمشركين بالعذاب إذا خالفوا أمر ربهم {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} أي فإِذا جاء وقت هلاكهم المقدر لهم لا يتأخر عنهم برهة من الزمن ولا يتقدم كقوله {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] والساعة مثلٌ في غاية القلة من الزمان.



أحوال بني آدم بعد الموت

{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(35)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(36)}



{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} المراد ببني آدم جميع الأمم والمعنى إن يجئْكُم رسلي الذين أرسلتهم إليكم يبينون لكم الأحكام والشرائع {فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي فمن اتقى منكم ربه بفعل الطاعات وترك المحرمات فلا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي وأما من كذب واستكبر عن الإِيمان بما جاء به الرسل فأولئك في نار جهنم ماكثون لا يخرجون منها أبداً.



شناعة افتراء الكذب على الله تعالى وعاقبة المفترين



{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ(37)قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ(38)وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(39)}



{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} الاستفهام للإِنكار أي من أقبح وأشنع ممن تعمْد الكذب على الله أو كذّب بآياته المنزلة {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ} أي يصيبهم حظهم في الدنيا مما كُتب لهم وقُدر من الأرزاق والآجال، قال مجاهد: ما وُعدوا به من خير أو شر {حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي جاءت ملائكة الموت تقبض أرواحهم {قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله أدعوهم ليخلصوكم من العذاب، والسؤال للتبكيت والتوبيخ {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} أي قال الأشقياء المكذبون لقد غابوا عنا فلا نرجوا نفعهم ولا خيرهم {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} أي أقروا واعترفوا على أنفسهم بالكفر والضلال، وإنما قالوا ذلك على سبيل التحسر والاعتراف بما هم عليه من الخيبة والخسران {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} أي يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء المكذبين بآياته: ادخلوا مع أمم أمثالكم من الفجرة في نار جهنم من كفار الأمم الماضية من الإِنس والجن {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} أي كلما دخلت طائفة النار لعنت التي قبلها لضلالها بها. قال الألوسي: يلعن الأتباع القادة يقولون: أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله تعالى، والمراد أن أهل النار يعلن بعضهم بعضاً كقوله تعالى {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} أي تلاحقوا واجتمعوا في النار كلهم {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} أي قال الأتباع للقادة والرؤساء الذين أضلوهم يا ربنا هؤلاء هم الذين أضلونا عن سبيلك وزينوا لنا طاعة الشيطان {فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ} أي أذقهم العذاب مضاعفاً لأنهم تسببوا في كفرنا ونظير هذه الآية {ربنا إن أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب} {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي لكلٍ من القادة والأتباع عذاب مضاعف أما القادة فلضلالهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم {وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} أي لا تعلمون هوله ولهذا تسألون لهم مضاعفة العذاب {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي قال القادة للأتباع: لا فضل لكم علينا في تخفيف العذاب فنحن متساوون في الضلال وفي استحقاق العذاب الأليم { فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي فذوقوا عذاب جهنم بسبب إجرامكم، قالوه لهم على سبيل التشفي لأنهم دعوا عليهم بمضاعفة العذاب.



descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
خلود الكافرين في النار



{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ(40)لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(41)}



{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا} أي كذبوا بآياتنا مع وضوحها واستكبروا عن الإِيمان بها والعمل بمقتضاها {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} أي لا يصعد لهم عمل صالح كقوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيّب} قال ابن عباس: لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء، وقيل: لا تُفتَّح لأرواحهم أبواب السماء إذا قبضت أرواحهم ويؤيده حديث (إن العبد الكافر إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا يجيئه ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة فلا يمر على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ..) الحديث {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} أي لا يدخلون يوم القيامة الجنة حتى يدخل الجمل في ثقب الإِبرة، وهذا تمثيل لاستحالة دخول الكفار الجنة كاستحال دخول الجمل على ضخامته في ثقب الإِبرة على دقته مبالغة في التصوير {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} أي ومثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي أهل العصيان والإِجرام {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} أي لهم فراش من النار من تحتهم {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أي ومن فوقهم أغطية من النار {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} أي ومثل ذلك الجزاء الشديد نجزي كل من ظلم وتعدّى حدود الله.



حال المؤمنين الطائعين يوم القيامة



{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(42)وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43)}



ولما ذكر تعالى وعيد الكافرين وما أعده لهم في الآخرة أتبعه بذكر وعد المؤمنين وما أعدّ لهم فقال {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي والذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه {لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} أي لا نكلف أحداً بما هو فوق طاقته أو بما يعجز عنه بل بما هو في وسعه والجملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر. قال في البحر: وفائدته التنبيه على أن ذلك العمل في وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم ما فيها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هذا هو الخبر أي هؤلاء المؤمنون السعداء هم المستحقون للخلود الأبدي في جنات النعيم لا يُخرجون منها أبداً {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} أي طهرنا قلوبهم من الحسد والبغضاء حتى لا يكون بينهم إلا المحبة والتعاطف كما ورد في الحديث (يدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غلٌ) وصيغة الماضي تفيد التحقق والتثبت {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} أي تجري أنهار الجنة من تحت قصورهم زيادة في نعيمهم {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} أي وفقنا لتحصيل هذا النعيم العظيم ولولا هداية الله تعالى وتوفيقه لما وصلنا إلى هذه السعادة { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} أي والله لقد صدقنا الرسل فيما أخبرونا به عن الله عز وجل {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي وتناديهم الملائكة أن هذه هي الجنة التي أعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا، قال القرطبي: ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إِياها برحمة الله وفضله وفي الحديث (لن يُدخل أحداً منكم عملهُ الجنة ..) الحديث.



مناظرة بين أهل الجنة وأهل النار

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44)الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ(45)وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(47)}



{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} هذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وعبَّر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه أي ينادي أهلُ الجنة أهلَ النار يقولون: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله من النعيم والكرامة حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والهوان والعذاب حقاً؟ قال أهل النار مجيبين: نعم وجدناه حقاً. قال الزمخشري: وإِنما قالوا لهم ذلك اغتباطاً بحالهم، وشماتةً بأهل النار، وزيادة في غمهم لمجرد الإِخبار والاستخبار {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} أي أعلن معلنٌ ونادى منادٍ بين الفريقين بأن لعنة الله على كل ظالم بالله ثم وصفه بقوله {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي الذين كانوا في الدنيا يمنعون الناس عن اتباع دين الله ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها أحد {وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ} أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة مكذبون جاحدون {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ} أي بين الفريقين حجاب وهو السور الذي ذكره بقوله {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} يمنع من وصول أهل النار للجنة، وعلى هذا السور رجال يعرفون كلاً من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم أي بعلامتهم التي ميّزهم الله بها. قال قتادة: يعرفون أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي ونادى أصحاب الأعراف أهل الجنة حين رأوهم أن سلامٌ عليكم أي قالوا لهم: سلام عليكم قال تعالى {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي لم يدخل أصحاب الأعراف الجنة وهم يطمعون في دخلوها {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال المفسرون: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فليسوا من أهل الجنة ولا من أهل النار، يحبسون هناك على السور حتى يقضي الله فيهم فإذا نظروا إلى أهل الجنة سلّموا عليهم، وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، سألوا الله ألاّ يجعلهم معهم. قال أبو حيان: وفي التعبير بقوله {صُرِفَتْ} دليل على أن أكثر أحوالهم النظر إلى أهل الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار ليس من قِبَلهم بل هم محمولون عليه والمعنى أنهم إذا حمُلوا على صرف أبصارهم ورأوا ما عليه أهل النار من العذاب استغاثوا بربهم من أن يجعلهم معهم.



الإخبار عن تقريع أهل الأعراف لرجال من قادة المشركين



{وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ(48)أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(49)}



{وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي من أهل النار وهم رؤساء الكفرة {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي أيُّ شيء نفعكم جمعكم للمال واستكباركم عن الإِيمان؟ والاستفهام للتوبيخ {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} أي أهؤلاء المؤمنون الضعفاء الذين كنتم في الدنيا تسخرون منهم وتحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة، والاستفهام استفهام تقرير وتوبيخ وشماتة يوبخونهم بذلك {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} أي يقولون للمؤمنين ادخلوا الجنة رغم أنوف الكافرين. قال الألوسي: هذا من كلام أصحاب الأعراف يقولون لأهل الجنة المشار إليهم: دوموا في الجنة غير خائفين ولا محزونين على أكمل سرور وأتم كرامة.



descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
عاقبة الجاحدين بآيات الله تعالى



{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(51)}



{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} يخبر تعالى عن المحاورة بين أهل النار وأهل الجنة بعد أن استقر بكلٍ من الفريقين القرار واطمأنت به الدار، وعن استغاثتهم بهم عند نزول عظيم البلاء من شدة العطش والجوع والمعنى ينادونهم يوم القيامة أغيثونا بشيء من الماء لنسكن به حرارة النار والعطش أو مما رزقكم الله من غيره من الأشربة فقد قتلنا العطش {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} أي منع الكافرين شراب الجنة وطعامها، قال ابن عباس: ينادي الرجل أخاه وأباه فيقول: قد احترقت فأفض عليَّ من الماء! فيقال لهم أجيبوهم فيقولون: إن الله حرمهما على الكافرين، ثم وصف تعالى الكافرين بقوله {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} أي هزءوا من دين الله وجعلوا الدين سخرية ولعباً {وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي خدعتهم بزخارفها العاجلة وشهواتها القاتلة وهذا شأنها مع أهلها تغرُّ وتضر، وتخدع ثم تصرع {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} أي ففي هذا اليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا به. قال الألوسي: الكلام خارجٌ مخرج التمثيل أي نتركهم في النار وننساهم مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي لا ينبغي ألا يُنسى. وقال ابن كثير: أي يعاملهم معاملة من نسيهم لأنه تعالى لا يشذّ عن علمه شيءٌ ولا ينساه {وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أي وكما كانوا منكرين لآيات الله في الدنيا، يكذبون بها ويستهزؤون، ننساهم في العذاب ويتركون.



حجية القرآن على البشر وحال المكذبين يوم القيامة



{ولَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)هَلْ يَنظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(53)}



{ولقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ} أي ولقد جئنا أهل مكة بكتاب هو القرآن العظيم {فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} أي بيّنا معانيه ووضحنا أحكامه على علم منا حتى جاء قيّماً غير ذي عوج {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي هداية ورحمة وسعادة لمن آمن به {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ} أي ما ينتظر أهل مكة إلا عاقبة ما وُعدوا به من العذاب والنكال. قال قتادة: تأويله عاقبتُه {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} هو يوم القيامة {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} أي يقول الذين ضيّعوا وتركوا العمل بهفي الدنيا {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} أي جاءتنا الرسل بالأخبار الصادقة وتحقق لنا صدقهم فلم نؤمن بهم ولم نتبعهم، قال الطبري: أقسم المساكين حين حلّ بهم العقاب أن رسل الله قد بلّغتهم الرسالة ونصحتْ لهم وصدّقَتْهم حين لا ينفعهم ولا ينجيهم من سخط الله كثرةُ القيل والقال {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} أي هل لنا اليوم شفيع يخلصنا من هذا العذاب؟ استفهام فيه معنى التمني {أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي هل لنا من عودة إلى الدنيا لنعمل صالحاً غير ما كنا نعمله من المعاصي وقبيح الأعمال؟ قال تعالى ردّاً عليهم {قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي خسروا أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة، وبطل عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة والأصنام.



دلائل القدرة والوحدانية



{إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)}



ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية فقال {إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي إن معبودكم وخالقكم الذي تعبدونه هو المنفرد بقدرة الإِيجاد الذي خلق السماوات والأرض في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، قال القرطبي: لو أراد خلقها في لحظة ولكنه أراد أن يعلِّم العبادَ التثبت في الأمور {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي استواءً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيلٍ ولا تحريف كما هو مذهب السلف وكما قال الإِمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكَيْفُ مرفوع، والإِيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وقال الإِمام أحمد رحمه الله: أخبارُ الصفات تُمرُّ كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل فلا يقال: كيف؟ ولِمَ؟ نؤمن بأن الله على العرش بلا حدٍّ ولا صفةٍ يبلغها واصف أو يحدها حادُّ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ونَكِلُ المعنى في الصفات إلى علم الله عز وجل. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي يغطي الليل على النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعاً حتى يدركه {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} أي الجميع تحت قهره ومشيئته وتسخيره {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} أي له الملك والتصرف التام في الكائنات {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي تعظّم وتمجّد الخالق المبدع رب العالمين.



الحث على الدعاءِ والبعدِ عن الإفساد



{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)}



{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي ادعوا الله تذللاً وسراً بخشوع وخضوع {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أي لا يحب المعتدين في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت وفي الحديث (إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً) {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} أي لا تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله ببعثة المرسلين {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} أي رحمته تعالى قريبة من المطيعين الذين يمتثلون أوامره ويتركون زواجره.



أمثال ومقارنات تدل على قدرة الله الباهرة



{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(57)وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ(58)}



{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي يرسل الرياح مبشرة بالمطر، قال في البحر: ومعنى بين يدي رحمته أي أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجلٌ النعم وأحسنها أثراً على الإِنسان {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً مثقلاً بالماء {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} أي سقنا السحاب إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها {فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} أي أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء فأخرجنا بذلك الماء من كل أنواع الثمرات {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي مثل هذا الإِخراج نُخرج الموتى من قبورهم لعلكم تعتبرون وتؤمنون. قال ابن كثير: وهذا المعنى كثير في القرآن يضرب الله المثل ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال لعلكم تذكرون {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} أي الأرضُ الكريمةُ التربة يَخْرج النبات فيها وافياً حسناً غزير النفع بمشيئة الله وتيسيره، وهذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} أي والأرض إذا كانت خبيثة التربة كالحرّة أو السبخة لا يخرج النبات فيها إلا بعسر ومشقة وقليلاً لا خير فيه، وهذا مثلٌ للكافر الذي لا ينتفع بالموعظة، قال ابن عباس: هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر، فالمؤمن طيّب وعمله طيب كالأرض الطيبة ثمرها طيب، والكافر خبيثٌ وعملهُ خبيث كالأرض السبخة المالحة لا ينتفع بها {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} أي كما ضربنا هذا المثل كذلك نبيّن وجوه الحجج ونكررها آية بعد آية، وحجة بعد حجة لقوم يشكرون الله على نعمه، وإنما خصّ الشاكرين بالذكر لأنهم المنتفعون بسماع القرآن. قال الألوسي: أي مِثلَ هذا التصريف البديع نردِّد الآيات الدالة على القدرة الباهرة ونكررها لقومٍ يشكرون نعم الله تعالى، وشكرُها بالتفكر والاعتبار بها.




descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
دعوة نوح لقومه وعاقبة تكذيبهم إيَّاه



{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(59)قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(60)قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(61)أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(62)أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(63)فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ(64)}



{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} اللام جواب قسمٍ محذوف أي والله لقد أرسلنا نوحاً، ونوحٌ شيخ الأنبياء لأنه أطولهم عمراً وهو أول نبيّ بعثه الله بعد إدريس، ولم يلق نبيٌّ من الأذى مثل نوح {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي وحّدوا الله ولا تشركوا به فما لكم إلهٌ مستحقٌ للعبادة غيره {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي إِن أشركتم به ولم تؤمنوا فأنا أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيم هو يوم القيامة {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي قال الأشراف والسادة من قومه إنا لنراك يا نوح في ذهابٍ عن طريق الحق والصواب واضح جلي، قال أبو حيان: ولم يجبه من قومه إلا أشرافُهم وسادتهم وهم الذين ينكرون على الرسل لانغماس عقولهم بالدنيا وطلب الرياسة، وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي ما أنا بضال ولكنْ أنا مرسل إليكم من عند ربكم المالك لأموركم الناظر لكم بالمصلحة {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي أنا أبلغكم ما أرسلني الله به إليكم وأقصد صلاحكم وخيركم وأعلم من الأمور الغيبية أشياء لا علم لكم بها. قال ابن كثير: وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغاً فصيحاً ناصحاً عالماً بالله لا يدركه أحد من خلق الله في هذه الصفات {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أي لا تعجبوا من هذا فإِن هذا ليس بعجيب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفاً وإِحساناً إليكم {لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي ليخوفكم هذا الرسول من العذاب إن لم تؤمنوا ولتتقوا ربكم وتنالكم الرحمة بتقواه {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} أي كذبوا نوحاً مع طول مدة إقامته فيهم فأنجاه الله والمؤمنين معه في السفينة {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي أهلكنا المكذبين منهم بالغرق {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} أي عميت قلوبهم عن الحق فهم لا يبصرونه ولا يهتدون له. قال ابن عباس: عميتْ قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد.





descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
.: المدير العام :.

الصورة الرمزية مــــــــــوج

إحصائية العضو






مــــــــــوج غير متصل


حكمتي في الحياة

وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِمُ*** وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا

معاناة هود في دعوة قومه ونتيجة التمرد والعتو والطغيان



{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(65)قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(66)قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(67)أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا ءالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69)قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(70)قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وءابَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ(71)فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ(72)}



{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هوداً وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي قال لهم رسولهم وحّدوا الله فليس لكم إله غيره {أَفَلا تَتَّقُونَ} أي أفلا تخافون عذابه؟ {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي قال السادة والقادة منهم {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي نراك في خفة حلم وسخافة عقل وإننا لنظنك من الكاذبين في ادعائك الرسالة {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي ليس بي كما تزعمون نقص في العقل ولكني مرسل إليكم بالهداية من رب العالمين {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} أي أبلغكم أوامر الله وأنا ناصح لكم فيما أدعوكم إليه، أمينٌ على ما أقول لا أكذب فيه. قال الزمخشري: وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام ممَّنْ نسبَهم إلى السفاهة والضلالة - بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم وترك المقابلة - أدبٌ حسنٌ وخُلُق عظيم، وتعليم للعباد كيف يخاطبون السفهاء ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} أي لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولاً من أنفسكم لينذركم لقاء الله ويخوفكم عذابه {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي اذكروا نعمة الله حين استخلفكم في الأرض بعد إهلاك قوم نوح {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} أي زاد في أجسامكم قوةً وضخامة {فَاذْكُرُوا ءالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي اذكروا نعم الله عليكم كي تفلحوا وتفوزوا بالسعادة {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} أي أجئتنا يا هود تتوعدنا بالعذاب كي نعبد الله وحده ونهجر عبادة الآلهة والأصنام ونتبرأ منها؟ {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي فأتنا بما تعدنا من العذاب فلن نؤمن لك إن كنت من الصادقين في قولك {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} أي قد حلّ بكم عذاب وغضب من الله {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنَ سُلْطَانٍ} أي أتخاصمونني في أصنام لا تضر ولا تنفع ما أنزل الله بعبادتها من حجة أو برهان {فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ} أي فانتظروا نزول العذاب إني من المنتظرين لما يحل بكم وهذا غاية الوعيد والتهديد {فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} أي أنجينا هوداً والذين معه من المؤمنين رحمة منا لهم {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي استأصلناهم بالكلية ودمرناهم عن آخرهم {وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} أي كذبوا ولم يؤمنوا فاستحقوا العذاب. قال أبو السعود: أي أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعووا عن ذلك أبداً فأهلكهم الله بالريح العقيم.



قصة صالح عليه السلام مع قومه



{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا ءالاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74)قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ(75)قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي ءامَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(76)فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(77)فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(78)فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(79)}



{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي وحّدوا الله ولا تشركوا به {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي معجزة ظاهرة جلية تدل على صحة نبوتي {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءايَةً} هذا بيانٌ للمعجزة أي هذه الناقة معجزتي إليكم وإضافتها إلى الله للتشريف والتعظيم لأنها خلقت بغير واسطة. قال القرطبي: أخرج لهم الناقة حين سألوه من حجر صلد {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} أي اتركوها تأكل من رزق ربها {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي لا تتعرضوا لها بشيءٍ من السوء أصلاً إكراماً لها لأنها آية الله، والعذاب الأليم هو ما حلَّ بهم حين عقروها {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} أي خلفاء في الأرض، قال الشهاب: لم يقل خلفاء عاد إشارة إلى أن بينهما زماناً طويلاً { وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا} أي أسكنكم في أرض الحِجْر تبنون في سهولها قصوراً رفيعة {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} أي تنحتون الجبال لسكناكم، قال القرطبي: اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم فإن الأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم {فَاذْكُرُوا ءالاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي اذكروا نعم الله عليكم واشكروه على ما تفضل به ولا تعيثوا في الأرض فساداً {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} أي قال الأشراف المستكبرون من قوم صالح للمؤمنين المستضعفين من أتباع صالح عليه السلام {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} أي أن الله أرسله إلينا وإِليكم، وهذا قالوه على سبيل السخرية والاستهزاء {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي أجابوهم بالأسلوب الحكيم بالإِيمان برسالته. قال أبو حيان: وعدولهم عن قولهم هو مرسل إلى قولهم {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} في غاية الحسن إذْ أمر رسالته معلوم واضح مسلَّم لا يدخله ريب لما أتى به من هذا المعجز الخارق العظيم فلا يحتاج أن يسأل عن رسالته {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي ءامَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} أي قال المستكبرون نحن كافرون بما صدَّقتم به من نبوة صالح وإنما لم يقولوا إنا بما أرسل به كافرون إظهاراً لمخالفتهم إياهم ورداً لمقالتهم {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي نحروا الناقة واستكبروا عن امتثال أمر الله {وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي جئنا يا صالح بما تعدنا من العذاب الذي تخوفنا به إن كنت يا صالح حقاً رسولاً، قالوا ذلك استهزاء به وتعجيزاً {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أخذتهم الزلزلة الشديدة فصاروا في منازلهم هامدين موتى لا حِراك بهم. قال في البحر: أخذتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوتُ كل شيء له صوتٌ في الأرض فقطعت قلوبهم وهلكوا {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي أدبر عنهم صالح بعد هلاكهم ومشاهدة ما جرى عليهم وقال على سبيل التفجع والتحسر عليهم: لقد بلّغتكم الرسالة وحذرتكم عذاب الله وبذلت وسعي في نصيحتكم ولكن شأنكم الاستمرار على بغض الناصحين وعداوتهم {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} قال الزمخشري حكاية حال ماضية قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت -وكان قد نصحه حياً فلم يسمع منه حتى ألقى بنفسه في التهلكة-: يا أخي كم نصحتك وكم قلت لك فلم تقبل مني؟


descriptionتفسير سورة الاعراف EmptyRe: تفسير سورة الاعراف

more_horiz
فاحشة مبتكرة عند قوم لوط



{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(80)إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(81)وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82)فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(83)وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(84)}



{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} أي واذكر وقت أن قال لوط لقومه أهل سدوم على سبيل الإِنكار والتوبيخ: أتفعلون تلك الفعلة الشنيعة المتناهية في القبح التي ما عملها أحد قبلكم في زمنٍ من الأزمان! والفاحشة هي إتيان الذكور في الأدبار، أنكر عليهم أولاً فعلها ثم وبخهم بأنهم أول من فعلها. قال أبو حيان: ولما كان هذا الفعل معهوداً قبحه، ومركوزاً في العقول فحشه أتى به معرفاً بالألف واللام {الْفَاحِشَةَ} بخلاف الزنى فإنه قال فيه {إنه كان فاحشة} فأتى به منكراً، والجملة المنفية {مَا سَبَقَكُمْ} تدل على أنهم أول من فعل هذه الفعلة القبيحة وأنهم مبتكروها، والمبالغة في {مِنْ أَحَدٍ} حيث زيدت مِنْ لتأكيد نفي الجنس، وفي الإِتيان بعموم {الْعَالَمِينَ} جمعاً قال عمرو بن دينار: ما رؤي ذكرٌ على ذكر قبل قوم لوط {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} هذا بيانٌ للفاحشة وهو توبيخٌ آخر أشنع مما سبق لتأكيده بإنَّ وباللام أي إنكم أيها القوم لتأتون الرجال في أدبارهم شهوة منكم لذلك الفعل الخبيث المكروه دون ما أحله الله لكم من النساء ثم أضرب عن الإِنكار إلى الإِخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح واتباع الشهوات فقال {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} أي لا عذر لكم بل أنتم عادتكم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء. قال أبو السعود: وفي التقييد بقوله {شَهْوَةً} وصفٌ لهم بالبهيمية الصِّرفة وتنبيهٌ على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النسل لاقضاء الشهوة {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي ما كان جوابهم للوطٍ إذ وبخهم على فعلهم القبيح إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطاً وأتباعه المؤمنين من بلدتكم لأنهم أناس يتنزهون عما نفعله نحن من إتيان الرجال في الأدبار، قال ابن عباس ومجاهد: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي يتقذرون عن إتيان أدبار الرجال والنساء، قالوا ذلك سخرية واستهزاءً بلوط وقومه وعابوهم بما يمدح به الإِنسان {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أي أنجيناه من العذاب الذي حلّ بقومه وأهله المؤمنين إلا امرأته فلم تنج وكانت من الباقين في ديارهم الهالكين. قال الطبري: أي أنجينا لوطاً وأهله المؤمنين به إلا امرأته فإنها كانت للوطٍ خائنة وبالله كافرة فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} أي أرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً هو حجارة من سجيل كما في الآية الأخرى { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} وشبه العذاب بالمطر المدرار لكثرته حيث أرسل إرسال المطر {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} أي انظر أيها السامع إلى عاقبة هؤلاء المجرمين كيف كانت؟ وإلى أي شيءٍ صارت؟ هل كانت إلا البوار والهلاك؟!



شعيب عليه السلام يدعو قومه إلى توحيد الله وترك كل أنواع الإيذاء



{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(85)وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86)وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ ءامَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(87)}



{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي وأرسلنا إلى أهل مدين شعيباً داعياً لهم إلى توحيد الله وعبادته. قال ابن كثير: ومدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهي التي بقرب "معان" من طريق الحجاز وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي معجزة تدل على صدقي {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} أي أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به والوزن الذي تزنون به {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} أي لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تُنْقصوهم إياها {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} أي لا تعملوا بالمعاصي بعد إصلاحها ببعثة الرسل {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي ما أمرتكم به من إخلاص العبادة لله وإيفاء الناس حقوقهم وترك الفساد في الأرض خير لكم إن كنتم مصدقين لي في قولي {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ} أي لا تجلسوا بكل طريق تخوّفون من آمن بالقتل. قال ابن عباس: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت تفعله قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي تريدون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة بمعنى تصويرهم أن دين الله غير مستقيم كما يقول الضالون في هذا الزمان: "هذا الدين لا ينطبق مع العقل" لأنه لا يتمشى مع أهوائهم الفاجرة {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} أي كنتم قلة مستضعفين فأصبحتم كثرة أعزة فاشكروا الله على نعمته {وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} هذا تهديد لهم أي انظروا ما حلّ بالأمم السابقة حين عصوا الرسل كيف انتقم الله منهم واعتبروا بهم {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ ءامَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} أي إذا كان فريق صدقوني فيما جئتهم به وفريق لم يصدقوني فاصبروا حتى يفصل الله بحكمه العادل بيننا وهو خير الفاصلين. قال أبو حيان: هذا الكلام من أحسن ما تلطّف به في المحاورة إذا برز المتحقق في صورة المشكوك وهو من بارع التقسيم فيكون وعداً للمؤمنين بالنصر ووعيداً للكافرين بالعقوبة والخسارة.

privacy_tip Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum
power_settings_newLogin to reply