أثبتت الدراسات التاريخية الأخيرة أن الإنجازات الفلكية البابلية كانت اللبنة الأساسية التي قامت عليها إنجازات حضارات الأمم اللاحقة وحتى وقتنا الحاضر. فمن بين الأجهزة الفلكية التي اخترعها البابليون جهاز الأسطرلاب، وعنهم اخذه الإغريق (هيباركوس) وعن الأغريق عادت الوديعة إلى أهلها العرب المسلمون أيام ازدهار حضارتهم وتقدمهم، فاستعملوه في أرصادهم وحساباتهم الفلكية الجغرافية، وفي الملاحة، وفي عرض البحار، وتفننوا في الإفادة منه واتقنوا صنعه غاية الاتقان، وصنفوا به ما يقارب 200 مصنف. من أنواعه: الكروي، الزورقي، المبطح، الصدفي والهلالي وغيرها...
ظهر هذا الفن منذ الألف الثاني قبل الميلاد، في العهد البابلي القديم. وقد استعمله فلكيو العراق القديم في حساب أبعاد النجوم بالدرجات. وعلى هذا الأساس، يعتبر الاسطرلاب أول محاولة علمية في تاريخ المعارف البشرية لوضع المعلومات الفلكية عن النجوم في نظام وترتيب علميين. وقد جاء في دائرة المعارف البريطانية على لسان البروفيسور جارلس جنكن الأستاذ بجامعة أوكسفورد: "إن الاسطرلاب من الأدوات الثقافية النافعة التي استعملت منذ أكثر من 2000 عام قبل الميلاد، وإنه من أقدم الآلات العلمية في العالم التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ الحضارة الإنسانية، والاسطرلاب منذ أول استعمال له من قبل القدماء العراقيين كان عبارة عن ثبت علمي بعدد الكواكب وهي (36) كوكباً من الكواكب التي تظهر خلال أشهر السنة. وبتوالي العصور أخذ فلكيو الإغريق عن البابليين والآشوريين الكثير من المعلومات الفلكية والأمور المتصلة بالتنجيم ومنها فن الاسطرلاب فعملوا على تطويره والإفادة منه معتمدين على ما توصلت إليه خبرة البابليين والآشوريين الذين تؤكد الأسانيد العلمية والمكتشفات الأثرية الأخيرة على كونهم أول من أسس علم الفلك ".
من أين جاءت تسمية الاسطرلاب؟
سمى العرب علم الفلك بعلم النجوم أو علم الهيئة، لكن كلمة الفلك بقيت هي الأقوى بسبب جذورها الضاربة في القدم، فهي من أصل بابلي بلوكو (pulluku) التي تعني مراقبة النجوم، وهي من أصل سومري يعرف بـ (أفكلو أو أبكلو) التي تشير إلى خبير العرافين.
ولو أننا تمعنا جيداً في اشتقاق المصطلح اللاتيني لعلم الفلك Astronomy وعلم التنجيم Astrology لوجدنا أنهما يعتمدان على الجذر اللاتيني Astro الذي يعني نجمة أو نجوم، ويشير إلى الكواكب والأفلاك بصورة عامة.. وهذه الكلمة اللاتينية، في حقيقة الأمر، كلمة مصحفة عن ما سمّي حينها بـ "الآلهة الأكدية" ثم البابلية عشتار Istar التي تحولت في اللغة العبرية لاحقاً إلى Ister استير، وصارت كذلك مصدراً لكلمة نجمة Star في اللغات الأوروبية. إذن، فاسم عشتار كان مصدر اسم علميْ الفلك والتنجيم في اللغات الأوروبية المعاصرة، ومثل ذلك كلمة اسطرلاب Astrolabe التي تعني مرآة النجوم وأبعادها، اخترعه البابليون أولاً، ثم استعمله الإغريق، وشاع استعماله اسماً وجهازاً عند العرب دون أن يعرفوا مصدره البعيد.